شـاركيني البكـاء يا عفـراء
طال يأسي ولم يعـد لي رجـاءُ
واسـتوى الليل والنهار فعندي
كل بؤسى وكل نُعمى سـواءُ
واجهري بالنحيب إن دموعـا
تُسفكُ اليـومَ طعنـة حمـراءُ
فابـذليهـا لقومنـا ابذليهـا
حان منهم كـما علمتِ فنـاءُ
نزل المـوت والدمـار عليهـم
وهوت باللظى عليهـم سمـاءُ
قد لعمري مضـوا هبـاءً أباديـ
ـدَ وشَتَّتْ من جمعهم أشـلاءُ
زُلزلـوا بغـتةً على غـير ذنبٍ
أذنبـوه ودون سـوءٍ أسـاءوا
عيبهـم أنهـم ضعـافٌ وهـذا
زمـن يستبيحـه الأقويــاءُ
غابـةٌ يؤكـل المُسـالم فيهـا
و"جُبـار جراحهـا العجمـاءُ "
خبِّريـني لأي جُـرم أبيـدوا
ولمـاذا قد حُـرِّق الأبريـاءُ ؟
ولماذا حضـارة عمرهـا الإنـ
ـسان يهوي بمجدها اللقطاءُ ؟
عصبة دينها الفسـوق ورهـطٌ
همـجـيٌّ وثلـة رعنــاءُ
من خطايا الزنوج جاءوا ومن قبـ
ـلُ تداعى هنا التتار الرِّعـاءُ
وهـوت رايـة اللعـين"هلاكـو"
وقضى الله أن يـزول الجُفـاءُ
ربِّ رحمـاك أيَّ هـول سمعنـا
رددت بعض روعـه الأنبـاءُ
صـار غسَّاقنـا الحميـم وإنَّـا
في طوايـا جحيمه أشقـياءُ
قيل ساخت وزُلزلت أرض بغدا
دَ وأودى بساكنيها القضـاءُ
كلمـا خيـم الظـلام عليـها
أمطـرتهـا قنـابـل عمـياءُ
انظري هاهنا لقـد كـان مـلك
وسريـر يـرتـاده الخلفـاءُ
منـبر طـالمـا البلاغـة غنـت
في حنايـاه وانتشى الخطبـاءُ
مهبط الوحي مـن ثـراه المُفـدَّى
جُبِل الرُّسل واستوى الأنبيـاءُ
ها هنا ضمت الحـروف معانيـ
ـها وأفضى إلى الوجود الهجاءُ
ومضـى يُنجب اللغـات بيانـا
يتبـارى في فهمـه القُــرَّاءُ
وجرى باحثا عن السـرِّ "أنكيـ
ـدو " فأعْيى وما لحـيٍّ بقـاءُ
من هنا أشرقت على الكون شمس
من سَنَاها تُستنشَـقُ الكبريـاءُ
مدَّت العدل والتحـرُّرَ والنُّـو
رَ على النـاس كفُّها البيضـاءُ
مـن هنا نظـم الرشيـد سرايـا
ه وسـارت فتـوحُـه الغَـرَّاءُ
ثم عـادت برايـةٍ أفْلَـجَ اللـ
ـهُ عليـها وباركتها السمـاءُ
من قلوب الشعوب تهوي إليهـا
صلـوات زكيـة وثنـــاءُ
ها هنا طأطأتْ وفود من الـرو
مِ رؤوسـا وبـايعت أعـداءُ
وأتت تنحني "هِِرَقْلَـة" كرهـاً
ومن الذل قد كساهـا غِطـاءُ
انظري ها هنا أهذي هي البصـ
ـرة تهـوي وهـذه سَامِـرَاءُ
غرقت في الخراب فاسود منهـا
في شبا النار وجههـا الوضَّـاءُ
انظري ها هنا أهذا هـو النجـ
ـف وهذي على المدى كربلاءُ
مزقتها الجـراح قهـرا فمالتْ
وعليها مـن الحسـين دمـاءُ
لَكَـأني سمعتهـا تقـرأ الــِورْ
دَ ويعلـو من الشفـاهِِ الدعـاءُ
وسمعت القـرآن يصعـد منهـا
مُجْهشـاًََ فيـه مقـرئٌ بَكَّـاءُ
وكـأني رأيـت زينـب فيهـا
وهْي ثكلـى طريـدة عَـزْلاءُ
تركوهـا وللوحـوش بطـون
تشتهيهـا وللذئـاب عُــواءُ
وعلى الأفـق من توهُّجهـا الـدَّا
مي سكـون ومن سناهـا رُواءُ
سجد القفر يقبس الوحـي منهـا
وأتـى يطلب القبـول العَـرَاءُ
وانحنى الليـل يجتـبي بركـاتٍ
سَبَّحتَ مـن جلالهـا الأسمـاءُ
ها هنا في الثـرى ترين طريقـاً
سنَّـه الفـاتحـون والأوليـاءُ
لم يغيِّر خَطاهُ من عهـد سعـدٍ
وضـرارٍ ولـم يخـنه اللِّـواءُ
فاسمعي من مواعظ الحسـن البصـ
ـري وصايا بها تُقـًى واهتـداءُ
من نقيبٍ علـيه من سَمْت عيسـى
ومـن المصطفـى لـه سيمـاءُ
قيـل لو أن الصحابـة يـومـاً
أدركوا فضل رأيه لاستضـاءوا
والثمي سُبحَةَ "البتـول" ففيهـا
مـوردٌ يرتوي لديـه الظِّمـاءُ
واقصدي "مِربَد " البيان المصفَّـى
فهـناك الشـواردُ العصمـاءُ
أيَّ سحـر أتى "الفـرزدق" لمـا
أمعنـت في فـراقـه حـدراءُ
وأسًـى هاجـه جـريـرٌ رثـاءً
كاد يقضي قضاه لـولا الحـياءُ
إن يكن قد قضى فعاشت أبـوداً
حيـة في قلوينـاء الجـوسـاءُ
ثم عوجي على السنـين الخـوالي
ربمـا يستـزيـرنـا "الفـرَّاءُ"
ويـواتي مـن السمـاء صفـاء
أسلسـت منـه ليلـة قمـراءُ
فنـرى مجلس النحـاة ونـروي
من غريب الكـلام ما قد نشـاءُ
من معـان تبحَّـر العقـل فيهـا
جـوَّدتهـا الـرواة والعلمــاءُ
هـا هنا كعبـة الرجولـة والمجـ
ـدِ وعـز يطيب فيـه الفـداءُ
في ثـراه الجلـيل آدم صلــى
وانتشت مـن عطـوره حـواءُ
أُمَّـتي أي عــزة وشمــوخ
ضيعتهـا جمـوعـك الحمقـاءُ
مـا تبقى لديـك منـه نقـير
غـير دمـع يريقـه الشعـراءُ
ضيعوا العمـر ينظمون بتأبيـ
ـين وندب وليس يجدي العزاءُ
ما عسى ينفع العتاب مع الصخـ
ـر وماذا يفـيد فيـه الرثـاءُ
أُمَّـتي أنت ثُلـةٌ مـن دُويـلا
بٍ تـولى إذلالهـا الغـربـاءُ
فتنوهـا فأصبحـت هنـوات
ذل أحـرارهـا وعـز الإمـاءُ
ورمـوا للـردى بنيها ولكـن
أوهمـوهـم بـأنهـم أحـياءُ
لستِ بعد العـراق شيئا فمـوتي
أنتِ والمـرأة السـبيَّ سـواءُ